لماذا لا يُمارس الجميع حُب ما بعد الجماع!!


سؤال تردد كثيرا

لماذا لا يُمارس الجميع حُب ما بعد الجماع!!

هل العلاقة بين الزوجين في فراش الزوجية هي لحظة متعة جسدية تنقضي فتنتهي المتعة الحلال، ويدير كل طرف ظهره للآخر ويغرق في نوم هادئ؟!! وهل المودة والرحمة هي صلة حسية وقضاء وطر وإطفاء شهوة فحسب؟!!

قد يعرف الجميع مرحلة ما قبل الجماع، وهو ما ذَكَره الله تعالى في قوله: {وَقدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ}، لكنّ الكثيرين لا يعرفون مساحة ما بعد ذلك، تلك الحديقة الغنية بالمتعة بعد الوطر.. إنها المساحة التي ترتوي فيها الروح، ويمتلئ فيها القلب بالدفء، بعد أن تهدأ رعشة الجسد، ويتسلّل الخدر إلى البدن، ويتزوّد الزوجان بزاد من الرقة والمحبّة الصافية.

المرحلة الثالثة في مسيرة الحب
قرأت مقالا عن "التزامن الجنسي" نبَّهنا الكاتب إلى أن الإيقاع الجنسي بين المرأة والرجل متفاوت؛ ففي حين يعلو منحنى الشهوة عند الرجل بسرعة ويهبط بسرعة، فإن منحنى الشهوة لدى المرأة أطول أفقيا، يرتفع في هدوء، ويستوي، ثم يهبط في هدوء.

وإذا كان التوافق الجنسي يستلزم أن يتم "التقديم" بالقبلة والكلام كما علّمنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كي يطول أمد الملاعبة؛ بما يمتع الزوجين ويُمهل المرأة حتى تستوفي الاستعداد للحظة المنشودة.

وكما علّمنا المصطفى أن الرجل ينبغي ألا "يترع" بعد الإنزال، بل يُتم الوصل حتى تقضي المرأة وطرها، فإن إدراك آفاق ومتعة المرحلة الثالثة في مسيرة الحب يضيف إلى متعة الزوجين مساحة أخرى؛ فالتودّد والملاعبة والملامسة الرقيقة الحانية بعد انقضاء "اللحظة" كلها وسائل للمتعة تمهل المرأة حتى يهبط منحنى متعتها في هدوء دون أن يتم كسره فجأة فتشعر بانقطاع اللذة الحاد والخواء؛ فيُفسد ذلك عليها مشاعر الاستمتاع.

وكذلك تبادل اللمسات والكلمات في فترة الخدر التي يمرّ بها الرجل بعد الإنزال يكون متعة صافية تحقّق له سعادة هادئة لا عجلة فيها ولا فورة، بل رقة وتدليل وبث لمشاعر الحب الدافئة بالأنامل وبالكلمة شديدة الخصوصية والإسرار والسكينة.

الجهل والإجهاد
الجهل هو السبب الأول، والاعتقاد بأن الجنس يتمحور حول لحظة إنزال الرجل، وبعدها ينتهي كل شيء بتحقُّق هذه "الغاية الكبرى"، وغياب ثقافة أوسع لما يحيط بالعلاقة الزوجية الحميمة من مقدِّمات ومؤخرات، وما يغلفه من آداب وسلوكيات، وينابيع هذه المعرفة في السنة والتراث ما زالت مجهولة أو مسكوتا عنها (ليحل محلها ما هو شائع ودارج في كل ثقافة محلية).

أما السبب الثاني فهو الإجهاد؛ فالعلاقة الزوجية عادة ما تتم ليلاً، والزوجان في حالة إجهاد بعد يوم حافل بالعمل والحركة والمسئوليات والشواغل، فضلا عن أن ردّ الفعل العصبي عند الرجل بعد الإنزال يكون الاسترخاء العميق، فإذا اجتمع هذا مع إرهاق يوم طويل فإن النتيجة تكون السقوط نائمًا بعمق وراحة بال، في حين أن حرارة مشاعر المرأة الجنسية تأخذ وقتًا حتى تبرد كما ذَكَرنا؛ فتبقى في أغلب الأحوال بعده مستيقظة وشعورها الحسي ما زال يقظًا لم يخلد للنوم بعدُ.

المداعبة باب لوصل ثانٍ
لا تمثّل المداعبة بعد الجماع فقط مساحة لاستكمال متعة المرأة، بل تكون بابًا لمتعة صافية ليس فيها توقّع أداء جنسي معين من الرجل بل تلذّذ بدون توقّعات أو انتظار للحظة بعينها. ولا مانع أن يكون هذا التلذذ والتمتّع الرقيق الذي يبث فيه كل طرف لشريكه مشاعره ويعبّر له عن مكنون نفسه وخلاصة حبّه بابًا لمتعة جديدة بمعاودة للقاء ثانٍ، والتوجيه النبوي فيه للرجل أن يتوضأ تنشيطًا للعود، وبذلك تكون المداعبة بعد المعاشرة الأولى مساحة راحة وتأهب لمرة ثانية قد يشتاق لها أحدهما أو كلاهما.

والمداعبة قد تأخذ أي صورة يُحبّها ويتفق عليها الزوجان وتحقّق لهما المتعة والسعادة، ولا تقتصر على الفراش، بل قد تكون في الاغتسال معًا، أو غيره من أشكال التلطّف والمداعبة التي يُحبّها الزوجان، وهي من أسرارهما ولهما أن يُبدعا فيها كما يُحبّان ما دامت تحقق لهما الإحصان والسكن، وقد تفضي أو لا تفضي إلى معاشرة تالية.

عالم مغلق وسر دفين
غني عن القول أن ما يُسعد كل زوجين ويمتعهما قد يختلف من أسرة إلى أخرى، وهذا الباب سر لا مجال فيه لتبادل الخبرات؛ لأن الخوض فيه منهيٌّ عنه بشكل مباشر في السّنة النبوية وكشف لما يجب أن يبقى مستورًا محفوظًا، كما أن الكلام فيه قد يضرّ ولا يفيد؛ لأنه يخلق توقّعات ومقارنات لا تجدي لاختلاف الطبائع، وما يستحسنه كل إنسان وما لا يستحسنه في هذه المساحة من الذوق المتفاوت بين الناس.

خطوط نحرص على توجيه الزوجين لها في هذه المساحة من العلاقة التي نتحدّث عنها:
• أن مداعبة ما بعد الجماع قد تكون بابًا لحل مشكلات تأخّر الشهوة عند المرأة أو سرعة القذف عند الرجل، مع عدم تجاهل محاولة علاج المشكلة الأصلية إذا كانت تحتاج لاستشارة نفسية أو طبية متخصصة.

• أن مداعبة ما بعد الجنس كما تحقق متعة أكيدة للمرأة؛ فإنها قد تكون ضرورية في حالات توتّر الرجل وعجزه عن المعاشرة لأسباب نفسية عارضة أو تأخّره في القذف أو فشله في الولوج بشكل كامل لإجهاده أو قلقه من أمر ما خارج العلاقة الزوجية -وهو ما يحدث في بعض الأحيان- وعندئذ تكون المداعبة أداة أساسية لبثّ الثقة في نفسه، وإشعاره بالأمان والدفء والحب، واسترجاع الرغبة والقدرة وإرسال رسالة حُب قوية من الزوجة.

• أن المداعبة والكلام بعد الجماع وفي مرحلة السكينة التي تعقبه هي مساحة مثالية للتعبير عن الرغبات الجنسية التي لم تتحقّق أو التي قد يخجل أحد الطرفين في المطالبة بها في الأوقات العادية أو قبل اللقاء الزوجي، وبذلك يكون السياق ملائمًا لمناقشة ما قد يتردّد الزوجان في مناقشته في لحظات أخرى.

• أن المداعبة بعد الجماع هي وسيلة مثالية لقول الكلام الجميل والتعبير عن الحب، وكل المشاعر الجميلة التي قد تُؤدِّي الرغبة الجنسية المشتعلة إلى تجاوزها إلى "الرفث" والكلام المثير، وبعد أن تهدأ عاصفة الشهوة يفسح المجال للقلب والروح للتعبير عن دواخل النفس وتبادل العبارات واللمسات العاطفية.

محاذير ننبّه إليها حتى لا يتسلّل لتلك المساحة ما يُعكّر صفوها أو يُفسد طبيعتها:
• مساحة الجنس مساحة خاصة مليئة بالإفضاء للطرف الآخر جسديًا ونفسيًا يجب ألا تناقش فيها أي أمور مادية أو أسرية أو هموم العمل؛ فهي مساحة بين الزوجين يجب أن نحفظها من أي موضوعات خارجة عنهما في تلك اللحظات الخاصة جدا.

• يجب أن يرسل كل طرف رسالة للطرف الآخر أنه لا شيء يهمّ في هذه اللحظات سواه، فلا يليق أن يقفز الرجل لكي يغتسل بعد أن يقضي وطره، ثم يسارع بارتداء ملابسه والخروج لسهرة أو موعد، ولا يليق أن تفتح الزوجة التلفاز بعد أن يقوم عنها الزوج وكأن شيئًا لم يكن، فهناك سلوكيات قد تحمل رسالة سلبية للطرف الآخر، ومن المهم أن يكون هذا "الوقت" عطاءً صافيًا.

• يجب أن يأمن ويستيقن كل طرف أن الطرف الآخر لا يشي بأسرار العلاقة لأي أطراف أخرى حتى يكون على طبيعته تمامًا، وكلما زادت السرية في العلاقة زادت الخصوصية وزاد الارتباط بالطرف الآخر الذي يكون هو "النصف الآخر" الذي لا يكتمل الكيان إلا به، ولا تتحقق المتعة إلا به وله.

وأخيرا.. فإن الإفضاء للآخر في العلاقة الزوجية ليس وقته الساعات المتأخرة فقط، فقد يلتمس الزوجان ساعة مع مطلع اليوم وهما في كامل النشاط؛ لكي يعطي كل منهما للآخر في اكتمال انتباهه وتركيزه صافي مشاعره وكامل طاقته، ولتتنوّع توقيتات اللقاء، وأشكال الاستمتاع الحلال؛ ليقطف الزوجان فواكه المتعة الحلال من شجرة الحب الصافي وتقرّ عين كل منهما بالآخر.

عن كتاب أ. ب فراش زوجية

0 التعليقات:

إرسال تعليق